تخيل انك عدت بالزمن 7 سنوات فقط إلى الوراء وبالتحديد في موسم 2002-2003، ترى كيف سيكون رد فعل عشاق الساحرة المستديرة اذا ما قلت لهم إنه سيأتي على كرة القدم في مصر يوما يصبح فيه فريقي انبي وبتروجيت منافسان للأهلي علي بطولة الدوري العام، ويفوز فريق حرس الحدود بكأس مصر بعد أن يطيح بكل من يقابله في طريقه بما فيهم الأهلي نفسه. وسيكون الحرس وانبي هما ممثلا مصر في الكونفيدرالية الإفريقية.
ففي موسم 2002-2003 بدأت معظم جماهير الكرة في مصر تسمع لأول مرة اسمي حرس الحدود وانبي في أسماء الفرق المشاركة في الدوري العام وبمرور الأيام بدأت اسماء جديدة تظهر مثل طلائع الجيش وبتروجيت وبترول أسيوط والمصرية للاتصالات واتحاد الشرطة.
لم يتوقع احد ان تحقق هذه الفرق - وبالاخص حرس الحدود وانبي باعتبارهما الاقدم- أي نجاح ملحوظ في الدوري او حتي الكأس خاصة وان هذه الفرق لا تملك أي قاعدة جماهيرية في مصر حيث انها اما ملك لإحدى الشركات او ملك لقطاع من القطاعات الحكومية.
ولكن كل هذه التوقعات راحت هباء بعد ان أثبتت هذه الفرق قدرتها علي مناطحة الفرق الجماهيرية الكبري عاما بعد عام وجاء الوقت الان لتجني ثمار ما زرعته طيلة سبع سنوات مضت، فحرس الحدود فاز بكأس مصر مؤخرا وسيمثل مصر في بطولة الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الثالثة في تاريخه، وانبي صعد لنهائي الكأس مرتين متتاليتين وسيمثل مصر ايضا في الكونفيدرالية للمرة الثانية في تاريخه، وبتروجيت أحدث الصاعدين للدوري الممتاز ينافس علي لقب الدوري بعد 3 سنوات فقط من صعوده اليه.
ولكن في رأيي ان كل هذه النجاحات لا تمثل شيئا بالمقارنة بالأمر الأكثر صعوبة وهو تحطيم قاعدة ظلت راسخة في أذهان عشاق الساحرة المستديرة والإعلام الرياضي ونجحت هذه الفرق في تحطيمها وهي أنه "إذا تلاشت الفرق الجماهيرية ستضيع حلاوة كرة القدم المصرية وسيضيع المنتخب المصري" وهي مقولة ثبت عدم صحتها علي الإطلاق في السنوات الأخيرة.
فبالنظر الي السنوات السبع الماضية سنجد ان كرة المصرية بدأت في الازدهار بشكل سريع للغاية مع صعود فرق الشركات والقطاعات الخاصة الي الدوري الممتاز حيث تسبب صعودها في ضخ المزيد من الاموال في السوق الكروي وبالتالي ارتفعت قيمة المنتج نفسه وهو كرة القدم.
والأمثلة كثيرة لإثبات هذا التطور، فعلي مستوي الأندية اصبح النادي الأهلي اسما معروفا على مستوى العالم الآن للكثير من محبي كرة القدم في اسيا واقيانوسيا مرورا بأوروبا ووصولا لأمريكا الشمالية والجنوبية جراء مشاركة الفريق الاحمر في 3 بطولات لكأس العالم للاندية خلال الأربع سنوات الأخيرة والتي وضع فيها اسمه بجانب أسماء ممثلي هذه القارات.
أما علي مستوي المنتخبات، فسيأتي فوز مصر ببطولتين متتاليتين لكأس الأمم الإفريقية هو أبلغ دليل علي ذلك، واذا كانت البطولة الأولي قد أرجعها البعض لكونها اقيمت في القاهرة كما ان المنتخب فاز بالمباراة النهائية بضربات الجزاء، فالبطولة الثانية جاءت برد بليغ على ذلك اوضح مدي تطور الكرة المصرية فعليا، فمن كان يتخيل ان تكتسح مصر كوت ديفوار في الدور قبل النهائي بنتيجة 4-1 وتهزم الكاميرون رسميا مرتين في غضون أسبوعين فقط، الفوز الأول فيهما كان بأربعة أهداف مع الرأفة، والفوز الثاني جاء في المباراة النهائية.
ليس هذا فقط، بل أن مصر مقبلة علي المشاركة في بطولة كأس القارات القادمة بجنوب إفريقيا والتي ستلاقي فيها البرازيل وإيطاليا وبغض النظر عن النتائج، فمجرد اللعب في بطولة رسمية أمام هذين المنتخبين لهو أمر كافٍ لإزدهار اسم المنتخب المصري اكثر واكثر.
علي مستوي اللاعبين، حدثت طفرة بالغة في انتقالات اللاعبين المصريين لأوروبا، حيث أصبح لمصر الآن ولأول مرة في تاريخها 3 لاعبين في أقوى دوري في العالم وهو الدوري الانجليزي، وليس هذا فقط بل ان احد لاعبيها - وهو عمرو زكي - تمكن من إحراز 10 أهداف حتى الآن مع فريقه ويجان اتليتك مكنته من احتلال المركز الخامس في قائمة هدافي الدوري وبفارق 4 أهداف فقط عن الفرنسي نيكولاس انيلكا مهاجم تشيلسي.
بالإضافة إلى ذلك، كان لمصر لاعبين اثنين هما زكي ومحمد ابوتريكة من خمسة لاعبين كانوا يتنافسون علي جائزة أفضل لاعب في إفريقيا لعام 2008 وهو أمر لم يحدث منذ زمن بعيد، كما تمكن ابوتريكة من استكمال المشوار والحصول علي المركز الثاني خلف التوجولي ايمانويل اديبايور.
نعم، خريطة الكرة المصرية تتغير إلى الأحسن، والقول بغير ذلك يعتبر إصرارا علي العودة الي ما يمكن تسميته بـ " عصر الجاهلية الكروية المصرية"، فالكرة المصرية لم يعد لها قطبين فقط هما الأهلي والزمالك يحتكران الألقاب وحدهما ويقسمان الجماهير بالتساوي بينهما في انتظار فريق مثل الإسماعيلي او المقاولون العرب ليأتي كل 10 سنوات ليخطف منها لقبا أو ينتزع مركزا في الدوري يؤهله للمشاركة في بطولة خارجية.
واذا كنا نتحدث عن التعصب ومشاكله في الآونة الأخيرة، فاني أرى ان نغمة التركيز علي الأندية الجماهيرية التي فشلت في اللحاق بركب الأندية الأخرى المتطورة ومحاولة مساعدتها بأي شكل او طريقة بداعي ان زوالها سيطيح بالكرة المصرية إلى الهاوية وان الكرة في مصر لن تسير بدونها، اري ان هذه النغمة هي التعصب في حد ذاته لأن من لا يساعد نفسه بنفسه لن يتمكن أحدا من مساعدته في وقت تضادت فيه المصالح واختلفت فيه المعطيات والنتائج أيضا.